ملامح وقائع الاغتصاب بين جرأة مسلسل «قضية رأي عام» وتحفظ «الطاووس»
الوادي
يضم السباق الرمضاني للدراما التلفزيونية لهذا العام، مجموعة مختلفة من المسلسلات، ومن بينها مسلسل "الطاووس"، إخراج رؤوف عبدالعزيز، وتأليف كريم الدليل ومحمد ناير، تدور أحداثه حول شابة تتعرض للاغتصاب على يد 4 شباب من عائلات كبرى، أثناء عملها في فندق، لكي تتكفل بمصاريف جامعتها ووالدها وأختها المطلقة، وتلعب الصدفة دور في معرفتها بمحامي يحاول مساندتها ويسعى لعقاب الفاعلين وتعويض الفتاة.
قصة الاغتصاب تم تداولها في أكثر من عمل سينمائي، لكن عام 2007، كان فارقا في الدراما التلفزيونية بعرض مسلسل "قضية رأي عام" في شهر رمضان، الذي يحكي عن 3 نساء، طبيبة في متوسط العمر، وطبيبة شابة، وممرضة، أثناء عودتهن بعد إجراء عملية لطفل في المستشفى، وفي طريقهن إلى القاهرة يطاردهن 3 شباب مخمورين، ويقوموا باختطافهن تحت تهديد السلاح ويعتدون عليهن جنسيا.
العمل من تأليف محسن الجلاد، وإخراج محمد عزيزية، وبطولة يسرا، ورياض الخولي، وسامي العدل، وإبراهيم يسري، ولقاء الخميسي، وأحمد فلوكس، وأميرة نايف، غيرهم من النجوم.
• قضية رأي عام.. جرأة في التناول
في الحلقة الأولى من مسلسل "قضية رأي عام"، أسس صناع العمل للشخصيات، أولهم عبلة، أستاذة جامعية متخصصة في طب الأطفال، وتعمل معها مساعدتها الطبيبة حنان المنتمية لعائلة صعيدية، والممرضة سميحة، وهي حامل، ويعرفنا أيضا على الشباب وهم يجتمعون ويتعاطون المخدرات والخمور.
وأثناء عودة الطبيبة ومعها فريقها من إحدى القرى بعد إجراء عملية لطفل، يلتقين بمجموعة الشباب أثناء قيادتهم السيارة في اتجاه الفيلا الخاصة بوالد أحدهم، والذي نستكشف فيما بعد أنه وزير مهم، وبعد تهديدهم بالسلاح الأبيض وماء النار يقوموا باغتصابهن، ويحاول المخرج التعمق في مأساة المشهد بدرجة كبيرة، حيث يضعنا في قلب الحدث، ويصحبنا معهن أثناء اقتيادهن داخل المنزل وحتى غرف النوم وتمزيق ملابسهن، ومحاولات الاعتداء والضرب، ولا يكتفي بذلك، بل نكون معهن أثناء محاولات الهرب، ووصولهن لمنازلهن.
يوضح لنا المؤلف، شخصية عبلة في البداية، أنها قوية وجريئة، من خلال مواقف لها في عملها قبل وقوع الجريمة، لذلك لم يكن غريبا فيما بعد أنها تقرر الإبلاغ عن المجرمين، وتتخذ القرار ضد رغبة زوجها، ثم تقف في حرب شرسة مع عائلتها، وقوة وجبروت الوزير وكل التهم التي لفقت لها فيما بعد، ولم تتنازل عن موقفها للحظة.
تمتع أبطال المسلسل بالشجاعة في مواجهة الوضع الذي يواجهنه، رغم انتماء حنان لأسرة صعيدية ومحاولة أخيها قتلها، ووفاة والدها، إلا أنها بعد تجاوزها مرحلة الصدمة ووقوف ابن عمها إلى جوارها وزواجه منها، تنضم لأستاذتها وتقدم بلاغا إلى النيابة، وتقوم الثالثة بالضغط على زوجها.
• الطاووس.. قضية مهمة دون حبكة منطقية
خلال الفترة الأخيرة، زادت المطالبات بحماية الفتيات اللاتي يتعرضن للتحرش أو الاعتداء الجنسي، للإفصاح عن نفسهن وتقديم بلاغات للتحقيق في قضاياهن، سواء نتيجة للحركة العالمية التي قامت تحت عنوان "me too"، أو نداءات الحقوقيات المصريات اللائي أطلقن أكثر من هاشتاج لتصديق الناجيات وفتح تحقيقات يتم الحفاظ فيها على هوياتهن وحمايتهن من التهديد.
رغم وجود هذه الحركات القوية المرتبطة بالعنف الجنسي ضد النساء، إلا أن مسلسل "الطاووس" لم يستطع استغلال التغير الحقيقي على أرض الواقع وتقديم المسلسل من خلاله، وإنما وقع في فخ التنميط والتكرار.
في البداية، قامت الفكرة الرئيسية للمسلسل على مصادفة غير منطقية، فخلال تواجد شباب في فرح صديقهم على أحد الشواطيء في الساحل، يشاهدن فتاة -أمنية- تعمل في الفندق، ويحاول الاستهزاء بها، وأثناء ذلك يقوم أحدهم بإخراج زجاجة بها منوم ووضعه لها في العصير، فمن أين أتى الشاب بهذه المادة أثناء تواجده في فرح، إلى جانب عدم بحث زميلتها التي تعمل معها عنها، ولم تظهر إلا عند مغادرة الشباب، في الصباح.
كما أن الفيديو الذي قام بتصويره أحد الشباب يقف عند دخولهم للغرفة، ولم يوضح المخرج هل استمر التصوير داخل الغرفة أم لا، وإذا لم يتم التصوير، فكيف ستثبت اعتداءهم عليها وهي فاقدة للوعي.
وانتشار الفيديو عبر الإنترنت كان أيضا بناء على الصدفة، عند سفر الشاب صاحب الفرح الذي وقعت حادثة الاغتصاب، تقع بينه وبين زوجته مشاجرة ويصطدم بسور أسمنتي، وفي نفس اللحظة يأتي من الخلف سارقان، ويجدان الموبايل على الأرض خارج السيارة، ويأخذانه ويقوما بتسريب الفيديو، الذي يظهر المخرج سعادتهما وهما يشاهدانه كأنه فيديو إباحي، رغم أنه لم يوضح تصوير أحد الشباب للاعتداء الجنسي داخل الغرفة.
على عكس محاولة مخرج "قضية رأي عام" إشراك المشاهد في الحدث، اكتفى مخرج "الطاووس" بـ3 مشاهد، الأول لوجه الضحية قبل الاعتداء عليها، ثم قطع، ومشهد على وجه الشباب وهم ينظرون لها، وقطع، تلاه مشهد لها يركز على وجهها فقط وهي تستكشف ما حدث لها.
كما أن أمنية اكتفت بالبكاء ولم تأخذ أي خطوة لمعاقبة أو محاسبة الجناة، على نقيض شخصيات "قضية رأي عام"، ولم يعط المخرج أي مؤشر على تفكيرها في ذلك، حتى ظهر المحامي كمال الأسطول -جمال سليمان- وحاول إقناعها بتوكيله للحصول على تعويض.
وفي مقابل إغفال مشاهد رئيسية وأساسية في البناء الدرامي للعمل، كثرت مشاهد البكاء والصراخ والدموع، والبناء الدرامي يعني تكوين الموضوع وترتيبه وتطويعه بحيث يغدو ملائما لمنطق الحدث، ويكمن سر الدراما في هذا البناء وبه وحده يتفاعل المشاهد مع التمثيل ويعایش الأحداث، وفق كتاب دراسة في نظرية الدراما الإغريقية.